بسم الله الرحمن الرحيم ..!

(قرآن يمشي على الأرض !)

محمد الإنسان ! عظيم الأخلاق , كريم السجايا , جميل السيرة , طاهر السريرة , كلنا نتمنى أن نقتدي به وأن نتخلق بخلقه ولكن لن يفكر أحد أن يكون مثله أو يقرب منه , لكنه حرص على موافقته في كل شؤون حياته , وقد أمرنا بذلك في قوله تعالى : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) .
لنعود للماضي ولنطوي الصفحات لنصل إلى مرحلة منيرة ومفعمة بالتغيير والنقلة الجميلة هي فترة حياة النبي _صلى الله عليه وسلم_ وفيما يلي نغوص فيها وبالتحديد في شمائله عليه الصلاة والسلام :
وستنقسم إلى ا_ صفات خَلقية , 2_وخُلقية , 3_وطريقة عيشه ..


مولده:
ولد الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين من شهر ربيع الأول في مكة المكرمة عام الفيل عام 571م من أبوين معروفين : أبوه عبدالله بن عبدالمطلب ، وأمه آمنة بنت وهب ، سماه جده محمداً صلى الله عليه وسلم ، وقد مات أبوه قبل ولادته .
أسماؤه:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لي خمسة أسماء : أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر ، وأنا الحاشر الذي يُحشر الناس على قدمي ، وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي ..

أولا: صفاته الخَلقية :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهاً وأحسنهم خلقاً ، ليس بالطويل البائن ولا القصير . وكان أبيض مليح الوجه ., عريض ما بين المنكبين ، كث اللحية (كثير الشعر ) ، تعلوه حُمرة ، و كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضخم الرأس واليدين والقدمين عن أنس رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أزهر اللون كأن عرقه اللؤلؤ ........، وما مسحت ديباجاً ولا حريراً ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا شممت مسكاً ولا عنبراً أطيب من رائحة النبي صلى الله عليه وسلم .
وعن أنس قال : دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال (نام) عندنا فعَرق ، فجاءت أمي بقارورة ، فجعلت تسلُت العرق فيها فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ( يا أم سليم ، ما هذا الذي تصنعين ؟ قالت : هذا عرقك نجعله طيبنا ، وهو من أطيب الطيب .
شعره: أما جمته إلى شحمة أذنيه ، (جمته : شعره) , ولم يكن شعر ه بالاسبط ولابالجعد , ولم يكن شيبه إلاشعرات معدودة وكان يخضب شيبه ..!
خاتم النبوة :عن جابر بن سمرة قال : رأيت الخاتم بين كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، غُدة حمراء مثل بيضة الحمامة يشبه جسده .
قال الشاعر أبو رواحة عبدالله بن عيسى اليمني :
هذا رسول الله يبدو فـي الدنيــا
*** شمساً تضئ لسائر الأكوان

فهو الذي كان الختام لرسلنـــا
*** كختام مسك فاح في البلدان

ذو الصورة البيضاء والوجه الذي
*** أضحى لنا قمراً بكل مكان

وإذا لمست الكف قلت : حريرة
*** من لينة كالزبد في فنجــــان

وإذا سمعت كلامه مترسلاً
*** يصل القلوب يهز كل جنان

وجوامع الكلم البليغ أحاطتها
*** إذا أنها فاقت لكل بيان


ثانيا: شؤون حياته :
كحله : كانت له مُكحلة يكتحل منها كل ليلة ثلاث مرّات فقد قال النبي _صلى الله عليه وسلم: (اكتحلوا بالإثمد فإنه يجلو البصر , وينبت الشعر) .!
ضحكه : كان إذا سُرّ استنـار وجهه ، حتى كأن وجهه قطعة قمر ، ولا يضحك إلا تبسماً وعن عائشة قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعاً قط ضاحكاً ، حتى أرى منه لهواته ، إنما كان ضحكه التبسم . ( لهواته : أقصى حلقه)

مشيه: إذا مشا تكفأ (مال إلى الأمام ) فقد كان يسرع في مشيته ..
نومه: وكان نومه عليه الصلاة والسلام في أول الليل أما آخره فإنه يحييه ! وإذا أوى إلى فراشه قال : (باسمك اللهم أمـوت وأحيـا) وإذا استيقظ قال : ( الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا ، واليه النشور) , وإذا أخـذ مضجعه وضع كفه اليمنى تحت خده الأيمن ، وقال : ( رب قني عذابك يوم تبعث عبادك) .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه فنفث فيهما وقرأ فيهما : ( قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق) و ( قل أعوذ برب الناس) ثم مسح بهما ما استطاع من جسده ، يبدأ بهما رأسه ووجهه ، وما أقبل من جسده ، ينصع ذلك ثلاث مرات .وكانت وسادته التي ينام عليها بالليل من أدم (جلد) حشوها من ليف .
أكله :كان النبي_صلى الله عليه وسلم_ لايملأ بطنه , عن أبي طلحة شكونا إلى الرسول_صلى الله عليه وسلم_ (الجوع ورفعنا عن بطوننا عن حجر , فرفع رسول الله عن بطن من حجرين ) وكانت لاتوقد النار في بيت النبي شهر أو يزيد , وإنما كان طعامهم الماء والتمر , وعن عائشة قالت : ماشبع رسول الله من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض ) ..أما صفة أكله فإنه كان يلعق أصابعه ثلاثا ولايأكل متكئا ..
كلامه : أما كلامه فقد كان كلامه حقا (وماينطق عن الهوى) , وقد أوتي جوامع الكلم أي: الكلام القليل الذي يحمل المعنى الكثير , وكان طويل الصمت , ويعيد الكلمة ثلاثا حتى تفهم عنه وكان كثير اللهج باسم الله ..

ثالثا: صفاته الخُلقية :
مزاحه : وكان صلى الله عليه وسلم يحب الدعابة ويبتسم للنكتة اللطيفة ،ويمازح أصحابه ويداعبهم بالنكات اللطيفة .
ومن ذلك: جاءته امرأة عجوز تطلب إليه أن يدعو الله لها بدخول الجنة ، فقال لها مداعباً :" أو ما علمت أن الجنة لا تدخلها عجوز؟ " فولت تبكي فقال : " ردوها ،أما قرأت قوله تعلى : } إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء {35} فَجَعَلْنَاهُنَّ
أَبْكَارًا {36} عُرُبًا أَتْرَابًا {37}


رحمته :كان صلى الله عليه وسلم واسع الرحمة بالأطفال والنساء والضعفاء . فقد سمع بكاء صبي وهو في الصلاة فخفف صلته كيلا تفتن أمه التي كانت تصلي وراءه.
ومرّ بعد انتهاء إحدى المعارك بجثة امرأة مقتولة فغضب وقال : " ألم أنهكم عن قتل النساء ؟ ما كانت هذه لقاتل !" .
وبلغت رحمته بالحيوان حداً عجيباً فقد أصغى الإناء إبى هرة أرادت الشرب ...
ورأى جملاً هزيلا فقال :
"أتقوا الله في هذه البهائم ، أطعموها واركبوها صالحة ..." .
تواضعه :ومما يروى في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ظل هو الإنسان المتواضع تواضع الأنبياء العظماء في مختلف مراحل دعوته ، حين كان مضطهداً ،و حين كل منتصراً ، وحين كان وحيداً ، وحين كان سيد الجزيرة العربية المطاع ، حين كان في أشد المحن ، وحين كان في أوج المجد والانتصار ..وما عهدنا بمثل هذا في تاريخ العظماء .. وما كان محمد عظيماً فحسب ولكنه رسول الله أيضاً ..
يوم فتح الله له مكة ، وانهزمت أمام جحافل جيوشه قريش الطاغية الباغية التي ناصبته العداء نحواً من عشرين عاما ، دخل مكة على جمل له ، مطأطئ الرأس خضوعا لله وشكراً . وجاءة الرجال خائفين ، وفيهم رجل ترتعد فرائصه ، فقال له : " هون عليه إنما إنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد ! " ( اللحم المقدد ) .
وظل رسول الله يستمع إلى العبد والعجوز والأرملة والمسكين . يقف في الطريق لكل من يستوقفه ، ويصافح كل من يلقاه ، فلا يترك يده حتى يكون الذي استوقفه هو الذي يترك يده ، يتفقد أصحابه ، ويزور مرضاهم ويشهد جنائزهم ، ويستمع إلى مشاكلهم ، ويشاركهم أحزانهم وأفراحهم.
زهده في الدنيا : دخل عليه عمر رضي الله عنه يوماً فرآه على حصير فد أثر في جنبه ورفع رأسه في البيت فلم يجد إلا إهاباً معلقاً ( الإهاب كيس من جلد ) وقبضة من شعير وحصيراً تكاد تبلى ، فبكى عمر .
فقال له : " ما يبكيك يا ابن الخطاب ؟ " .
قال عمر : يا نبي الله ! وما لي لا أبكي ، وهذا الحصير قد أثر في جنبك ، وهذه خزائنك لا أرى فيها إلا ما أرى ، وذاك كسرى وقيصر ، في الثمار والأنهار ، وأنت نبي الله وصفوته ؟
فقال عليه السلام : " أفي شك أنت يا ابن الخطاب ؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا"
نفقاته وصدقاته:وكان صلى الله عليه وسلم كثير النفقات والصدقات ، لا يدخر مالا ولا متاعا ، وكثيراً ما يستدين لينفق على بعض ذوي الحاجات ، وهو يعطي عطاء من لا يخشى الفقر كما قدمنا ، وقد توفي وليس عنده درهم ولا دينار ،
عدله وشدته في الحق : وكان لا يعرف في الحق صديقاً ولا قريباً فالكل عنده سواء ، والجميع مسؤولون عن أعمالهم أمام الله وأمام الشريعة :
سرقت امرأة من نبي مخزوم حلياً أو متاعاً ، ورُفع أمرها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاعترفت بالسرقة ، فخشي قومها أن ينفذ الرسول عقوبة السارق فيفتضحوا ، وجاؤوا إلى أسامة بن زيد – وكان معروفاً بحب النبي صلى الله عليه وسلم له ولأبيه زيد –وكلموه في أن يشفع للمرأة أن لا ينفذ فيها العقوبة ، فكلم رسول الله في ذلك فغضب عليه الصلاة والسلام وقال له : " أتشفع في حد من حدود الله " ثم جمع الناس فخطب فيهم فقال : " يا أيها الناس .. إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها " .
شجاعته في الحروب : ومن كمال هذه الصورة العجيبة في اكتمالها ، شجاعته صلى الله عليه وسلم في الحرب ، فقد كان يقود الجيوش ، ويخوض المعارك ، ويحرض على القتال في سبيل الرسالة التي يحملها وآمن بها ، ولم يعرف عنه نكوص في معركة ولا فرارفي موقعة ، بل نجده في معركة أحد – وقد انهزم أكثر المسلمين – ثابت الجنان يتلى سهام الأعداء وهو واقف يقاتل ويناضل . وفي معركة حنين إذ فر عنه أكثر الناس وقف على بغلته وهو يقول : " أنا النبي لا كذب أنا ابن عبدالمطلب " .
حرصه على آداء رسالته : لم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيله لتبليغ رسالته إلى الناس إلا سلكها ، ولم يترك خصومه وسيلة لحمله على ترك دعوته إلا سلكوها ، ولكنه ثبت رغم كل إغراء وتهديد بالقتل والاغتيال ،وقال لعمه أبي طالب قولته المشهورة : " والله يا عم ! لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ما تركته " .
أدبه في صحبته :كان – كما قال علي رضي الله عنه- أوسع الناس صدراً ، وأصدق الناس لهجة ، وألينهم عريكة ، وأكرمهم عشرة ، وكان يتألف قلوبهم ، ويكرم كريمهم ، ويتفقدهم في شؤونهم ،ويعطي كلاً من جلسائه نصيبه من التكريم ، حتى يحسب جليسه أنه ليس أحد أكرم عليه منه .
ذلك نمط من أخلاقه صلى الله عليه وسلم نلمح منها حقيقة شخصيته ، ولسنا نفيض في بقية أخلاقة ، من وفائه وأمانته ، وحيائه ، وإخلاصه ، وصدقه ، وعفافه ، وحسن سياسته وجميل جواره ، وفصاحته ، وغير ذلك مما فاضت به كتب السيرة والتاريخ .



المراجع : الشمائل المحمدية للترمذي ..
قطوف من الشمائل المحمدية لمحمد زينو .
شخصية الرسول وأثره لـ د.الشباعي ..

0 التعليقات:

إرسال تعليق